Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
25 février 2017 6 25 /02 /février /2017 22:11
لوحة للفنان الصديق محجوب نجماوي

لوحة للفنان الصديق محجوب نجماوي

بعد تأملي للوحة جميلة للفنان الصديق محجوب نجماوي، حضرتني مسامرة رمضانية مع السيدة الوالدة شفاها الله و أطال عمرها. تبادلنا خلالها أطراف الحديث حول بعض عادات و تقاليد قبائل "إشقرن" بمنطقة "لقباب" و قرية "أروكو نآيت إحند" مسقط رأسها. فتناولنا بعض الطقوس و بعض التقاليد التي تشكل موروثا ثقافيا لأمازيغ المنطقة. كطقوس الزواج و أهازيجه،عادات الأكل ،النباتات التي تستخدم في تلوين الصوف أو تلميعه، طرق النسج و رسومات الزرابي، طقوس و عادات الاستسقاء و غيرها من المواضيع... و بما أنني أعتبر السيدة الوالدة ذاكرة حية للتراث المادي و اللامادي للمنطقة فإنني أحتفظ ببعض ما ترويه حول عاداتنا و تقاليدنا التي يطالها النسيان و الاندثار.

"أسندي نغو"

يتعلق الأمر في هذه الورقة المتواضعة،بطريقة إعداد " لبن" بتسكين اللام. فإذا كانت الكلمة العربية " لبن"بفتح اللام،تحيل على المعنى الذي تحمله كلمة "حليب"، فإنها في اللهجة العربية المغربية تحيل معنى مغاير. كلمة"لبن" بتسكين اللام تحيل على حاصل الفصل بين الحليب و الزبدة بعد تخمير الحليب و تحريكه بطريقة خاصة. يقابل كلمة " لْبن" باللغة الفرنسية « Le petit lait » . أما بالأمازيغية المحلية فتسميه قبائل إشقرن " أغو " بفتح الألف و ضم الغين،أما قبائل زيان فتسميه " أغي ندون " بفتح الألف .

قد يصعب تحديد إطار دقيق يرسم تاريخ هذه الممارسة الموغلة في القدم، إلا أن الأكيد أن إعداد " لبن " ممارسة عرفتها ثقافات أخرى. فالثقافات الغربية،مثلا،عرفت هذه الممارسة إلا أنها غالبا ما ارتبطت باستخلاص الزبدة باعتبارها مادة أساسية في العادات الغذائية، أما" لبن" فيقدم كمادة لإرضاع العجول فقط... وحسب السيدة الوالدة، إن صناعة "لبن" اكتست لدى أمازيغ الأطلس طابعا خاصا. إنها ممارسة لا تكمن أهميتها في إبراز عادة من العادات الغذائية عند هذه الجماعة البشرية العريقة، بل إنها ترتبط وثيق الارتباط بنمط عيشهم و بمحيطهم الجغرافي و البيئي.

تحتاج عملية إعداد "لبن" أوان و مواعين بسيطة وقليلة: "تمسندا" و هي ثلاث أعمدة خشبية طول الواحدة منها حوالي متر و نصف، يعلو إحداها ثقب دائري أو فجوة تتسع لتثبيت العمودين الآخرين. و قد تتخذ هذه الفجوة شكل الحرف اللاتيني " V" .أما الآنية الثانية فاسمها بالأمازيغية " ثيويت" عند قبائل إشقير أو "ثكشولت" حسب قبائل زيان. و هي قربة يختلف حجمها باختلاف الأسر و كمية "لبن" المراد إعداده. تصنع "ثيويت" من جلد الخرفان أو الماعز، و غالبا ما تفضل المرأة الأمازيغية جلد الماعز لمتانته و قدرته على التحمل. لكن هناك من يستحسن جلد الخروف أو الشاة للذته حين الرغبة في إعداد أكلة محلية و هي الكسكس بالشكوة أو " أفتال نثيويت " . و أما الآنية الثالثة فهي أربع حبال تستعمل لتعليق " ثيويت " على " تمسندا". غالبا ما تصنع هذه الحبال من الصوف المطعم بوبر الماعز.

ككل القرب يحتاج إعداد " ثيويت " لترتيبات خاصة: يطلب ممن يقوم بعملية سلخ البهيمة الحرص و التريث قصد الحفاظ على سلامة الجلد من إي ثقب. بعد ذلك تسرع المرأة في إعدادها و تنظيفها، قبل أن يجف الجلد و قبل أن يتعفن درءا للروائح الكريهة التي قد تؤثر سلبا على جودة "لبن". يتم إعداد الجلد من خلال ترقيده في خليط من الماء و الملح و مادة تدعى " ثينوات". و "ثينوات" هي حاصل دق قشور شجرة الأرز أو العرعار. تتميز " ثينوات" بطيبها و مذاقها الجميل بالإضافة إلى قدرتها على تنظيف "ثيويت". وتستحسن "ثينوات" المستخلصة من قشور شجرة العارعار لنكهتها الخاصة ولمذاقها الطيب. بعد بضعة أيام تقوم المرأة بحك الجلد بأحجار الملح قصد تخليصه من الصوف أو الوبر، ثم تغسل بعناية بالماء. و أخيرا تجمع و يحكم إغلاق مؤخرة " ثيويت" و يبقى العنق هو الفتحة الوحيدة التي تستعمل حسب الحاجة.

كغيرهم ممن يعتمد نمط عيشهم على الرعي،يعتبر الحليب مادة غذائية أساسية عند الأمازيغي. لذا تقوم المرأة بجمع ما يفضل عن الاستهلاك اليومي،من مادة الحليب، قصد إعداد "لبن". تتفاوت مدة الجمع حسب كمية الحليب الذي تنتجه العائلة و حسب عدد البهائم التي تمتلكها. غالبا ما يخزن الحليب لبضعة أيام في قدرة من الطين توضع في مكان دافئ ، إذا كان الطقس باردا، قصد تسريع عملية التخمير. يسمي الأمازيغ الحليب المخمر "إكيل" بكسر الألف. بعد ذلك،تعد المرأة " تمسندا" ثم تعلق "ثيويت" و تسكب " إكيل" بداخلها. و بعد إحكام إغلاق عنق "ثيويت" تقوم المرأة بتحريكها حتى انتهاء العملية. تسمى هذه العملية "أسندي". إنها حركات متكررة و متأنية نحو الأمام ثم نحو الخلف. ويمكن للمرأة أن تضيف بعض الماء الدافئ إذا أحست أن الخليط بارد. كما أنها قد تستعمل الماء البارد قصد جمع الزبدة إذا أحست أن حرارة الخليط تحول دون تكثيف الزبدة أو تعيق إتمام عملية "أسندي". و بعد أن تلاحظ المرأة أن حبات الزبدة بادية، تقوم بتحريك " ثيويت "بشكل دائري قصد تجميع حبات الزبدة ، ثم تفرغ الكل في إناء ثم تعزل الزبدة بجمعها باليد في شكل كرة. تسمي قبائل إشقرن الزبدة ب" ثالبيشت" أما " أوذي " فيسمى بالدارجة العربية " اسمن" أي الزبدة المملحة و المعتقة. و تعتق " ثالبيشت" في قدر طينية لمدة قد تستمر سنوات. و يعتبر وجود " أوذي " في الخيمة الأمازيغية رمزا للثراء و الأصالة. و مما يبرز أهمية "ثالبيشت" كمادة غذائية مهمة عند الأمازيغي نعته للجمال بهذا الاسم ، فيسمي الفتاة الجميلة ب " ثالبيشت" أو الفتى الوسيم ب " ألبيش".

"ثينوات" و الملح مواد تصلح لتنظيف "ثيويت" حين تحس المرأة بتغير نكهة ومذاق "لبن" . فتغسل " ثيويت" ثم تحكها بالملح و "ثينوات" بعناية ثم تغسلها بالماء. هكذا يترك الملح و ثينوات نكهة و عطرا يضفيان على اللبن ذوقا جميلا و لذيذا.

يمكن ل"ثيويت " أن تكون مكونا أساسيا لأكلة محلية شهية و هي " أفتال نثيويت" أي الكسكس بالشكوة. ما يميز هذه الأكلة هو تعويض اللحم ب"ثيويت" ، أما باقي المكونات فهي نفسها التي تعتمد لإعداد الكسكس الأمازيغي يالحليب. بعد طول استعمال، تغسل "ثيويت" بعناية ثم تعطر بورق "فلييو" و تترك في الظل لتجف ثم تخزن في خرقة نظيفة إلى حين الرغبة في إعداد كسكس ثيويت.

إن إعداد "لبن" و "الكسكس بالشكوة" من العادات التي اندثرت أو تكاد واعتبرت أن من واجبنا نقلها إلى شبابنا قصد الاطلاع على ممارسة تشكل مكونا أساسيا من التراث اللامادي لقبائل الأطلس و خاصة قبائل إشقرن.

 

 

Partager cet article
Repost0
24 février 2017 5 24 /02 /février /2017 21:36

شاركت نيابة عن نادي إسمون نعاري في برنامج إداعي، يوم السبت 18/06/2016.كان الموضوع الذي اختاره منتجو البرنامج شاملا لكل مناحي الحياة بالمنطقة: المؤهلات الطبيعية و الاقتصادية، العادات و التقاليد... فآثرت أن أركز في تدخلاتي، في تناغم مع توجه النادي و اهتماماته، على ما يرتبط بخصوصية المجال الطبيعي و البيئي والثقافي للمنطقة، ومؤهلاتها و إمكانية إحداث نهضة سياحية بها.

آثرت أن أمحور مداخلاتي حول المفارقة بين برامج و مخططات الدولة وما ترسمه السياسة العمومية على أعلى المستويات ، و المؤهلات الضخمة التي تزخر بها المنطقة من جهة، و الوضع الراهن للحركية السياحية بالمنطقة من جهة ثانية. لذا جاءت مداخلاتي وصفية تشخيصية بالدرجة الأولى. بحيث أبرزت الخطوط العريضة لرؤية 2020 للسياحة، و حاولت ربطها بمؤهلات المنطقة كما و كيفا،كما أشرت إلى مضامين الميثاق الوطني للبيئة خاصة الاستراتيجيات التي رسمها، استراتيجية القرب و المقاربات التي تؤسسها. كما وقفت على بعض التفاصيل نظرا لطبيعة الشريحة التي يتوجه إليها البرنامج و التي لا تعرف عن المنطقة إلا النزر القليل.

إذا كان الأمر كذلك ألا يمكن أن نعتبر أن خنيفرة تستجيب لكل أو لأغلب المعايير التي رسمها واضعو الرؤية الإستراتيجية للنمو بالسياحة وطنيا؟ ألا يمكن أن نعتبر أن خنيفرة بؤهلاتها الطبيعية و مؤهلاتها البيئية تحتاج إلى تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للبيئة أكثر من مناطق أخرى؟

  • التنمية المستدامة خيارا استراتيجيا للمغرب، بل إن هذا الخيار يربط التنمية جدليا بالبيئة. فرؤية 2020 للسياحة وضعت ضمن أولوياتها قضية التنمية المستدامة و البيئة. بحيث تنص على أن النمو السوسيو-اقتصادي لجهات المملكة يمر عبر استثمار المؤهلات الطبيعية و البيئية و الثقافية لكل منطقة.

 

النشاط السياحي لا يمكن أن يكون و أن ينجح و أن يستمر إلا إذا توفرت له شروط. و غالبا ما تكون هذه الشروط إما طبيعية أو تاريخية أو ثقافية أو فنية... البحر كمعطى طبيعي،مثلا، يخلق نشاطا سياحيا خاصا به يرتبط بالاستجمام و السباحة (حركية المدن الساحلية تشهد). الجبل يخلق دينامية سياحية ترتكز على رياضة المشي أو التسلق أو التزحلق (لوكايمدن نموذجا)... الصحراء برمالها تخلق حركية خاصة ترتبط بالمشي أو ركوب الدراجات الرباعية أو الجمال أو مراقبة الشمس شروقا وغروبا (مرزوكة مثلا).الغابات و البحيرات و الوديان تخلق أنشطة سياحية ترتبط برياضات و ممارسات خاصة، الجولات القنص الصيد... التاريخ مناسبة لخلق أنشطة سياحية المدن العتيقة دليل على ذلك. الخصوصيات الثقافية و العادات يمكن أن تكون موضوعا لأنشطة سياحية كذلك ( أكدود أو سوق عام بإملشيل نموذجا)...

العديد من المناطق تعرف دينامية سياحية تؤسس اقتصادها و لا ترتكز هذه الدينامية إلا على عنصر واحد أو عنصرين: المدن الشاطئية تعتمد على البحر. منطقة الحوز تعتمد على الجبل و الوادي... إفران على الغابة...منطقة آيت حديدو تعتمد على العادات و التقاليد...

الغريب أن منطقة خنيفرة تتوفر على الشرط الطبيعي و الشرط التاريخي و الشرط الثقافي و الفني و مع ذلك لم تعرف نهضة سياحية تذكر إلا ما يرتبط بالترانزيت من و إلى مراكش أو فاس.

الإمكانات الطبيعية:

الغابات:يضم المجال الترابي لإقليم خنيفرة غابات شاسعة للأرز و الكروش بحيث تناهز مساحتها حوالي 31000هكتار.تضم وحيشا مهما،و حيونات خاصة و مميزة كزعطوط . كما تضم مجالات واسعة للجولات و الاصطياف: غابة أجدير، غابة أكلمام أزيزا، غابة برياخ...

المنتجعات: يضم الإقليم منتجعات شاسعة و جميلة يفوح منها عبق التاريخ، يمكن أن تستغل كمصايف لمحبي المناطق الجبلية،ولعل أهمها: منتجع أجدير، ( أدرجته السلطات الاستعمارية في عداد المواقع الطبيعية المصنفة في 09 ابْريل 1943 ). منطقة حبرشيد قرب واومانة عبارة عن مسابح طبيعية لا تقل جمالا عن la vallée du paradis قرب أكادير . و قنطرتها الطبيعية التي تفوق في جماليتها قنطرة ربي بمنتزه طلصمطان بشفشاون. منتجعات مناطق قبائل آيت سكوكو ( أيلمام إفغراون...)

البحيرات: يضم المجال الترابي للإقليم أكثر من عشر بحيرات، لعل أهمها: بحيرة أكلمام أزيزا، تقع على بعد 30 كلم من مدينة خنيفرة، على علو يصل إلى 1500 متر . أدرجتها السلطات الاستعمارية في عداد المواقع الطبيعية المصنفة في 09 ابْريل 1943 . تضم ثروة سمكية مهمة. بحيرات تكلمامين، تبعد عن مدينة خنيفرة بحوالي 60 كلم في اتجاه أجدير. أدرجت ضمن قائمة الآثار والمواقع الطّبيعية المصنّفة سنة 1950. تبعا لشكلها تسمى نظارات الأطلس . تضم ثروة سمكية مهمة كما تعد ملجأ للطيور المهاجرة. بحيرة ويوان، تتواجد على بعد 68 كلم من مدينة خنيفرة و على علو يصل 1600 متر. تم تصنيفها ضمن الآثار و المواقع الطبيعية الوطنية بتاريخ 11 يوليوز 1948 . كما صنفت حسب إدارة المياه و الغابات ضمن المناطق ذات النفع البيولوجي (Cite d’Intérêt Biologique) تتواجد بها ثروة سمكية مهمة و تحتضن عدة أصناف من الطيور المهاجرة. (إلا أنها إدرجت حسب موقع وزارة الثقافة ضمن المجال الترابي لإفران ) . أيلمام نميعمي، تقع على بعد 30 كلم من مدينة خنيفرة، على علو يصل إلى 1500 متر . تعد هذه البحيرة منبع وادي شبوكة. تضم ثروة سمكية مهمة خاصة سمك التروتة. (موقع غير مصنف ).بحيرة بوعامر (موقع غير مصنف) ضمن المجال الترابي لجماعة كروشن. أيلمام أبخان أفزرور : تتواجد على بعد 38 كلم من مدينة خنيفرة على الطريق الوطنية رقم 24، على علو يصل إلى 1671 متر (موقع غير مصنف ). أيلمام نآيت أومعي(ٍ موقع غير مصنف ). أيلمام نآيت خويا حدو(موقع غير مصنف ). حرشة تقع على بعد بضع كلمترات من لقباب. أيلمام أبخان بتمضغاس

الوديان: تعتبر المنطقة من المناطق الرطبة وهي خزان ماء المغرب. منها تنبع العديد من الأنهار وتسمح بممارسة العديد من الرياضات أهمها الصيد و لم لا القوارب ... واد أم الربيع ومنابعه تم تصنيفها ضمن التراث الوطني بتاريخ 04 أكتوبر 1948 (إدرجت حسب وزارة الثقافة ضمن المجال الترابي لإفران ). واد اسرو. واد إشبوكا( به سمكة التروتة). واد ملوية ( كانت به سمكة التروتة). واد واومانة .

الإمكانات الثقافية:

إن التنمية المجالية تقتضي ادماج بعد السياحة الثقافية في منظومة التهيئة المحلية و الجهوية، ذلك باستثمار الغنى الثقافي المتمثل في الجانب الفني،الطقوس و العادت، الترفيه و اللعب عند سكان المنطقة، و أخيرا عادات الأكل و الاستقبال: الجانب الفني الذي يتميز بالتنوع و الغنى. فالتراث الفني للمنطقة تعدى ما هو محلي ليعانق كل الوطن بل أصبح له بعد كوني، و يمكن أن نستحضر هنا هرمي التراث المحلي المرحومين محمد رويشة و المايسترو موحى و الحسين أشيبان. التنوع الفني إذن شيء بديهي: أحيدوس، الوتر الكمان... الطقوس و العادات المحلية، تقاليد الزواج الاحتفالات المختلفة، اللباس المحلي وخصوصيته... الترفيه عند أمازيغ المنطقة، يتميز بالتنوع و الإثارة و يمكن اعتباره أدوات للترفيه و التنشيط السياحيين... التغدية و عادات الأكل، لسكان المنطقة عادات غذائية خاصة ارتبطت تاريخيا بنمط الحياة السائد هنا: اشوي، تاحريشت أو إمديهدا، أفتال سلحليب أو سوغو، بوشيار...على شاكلة تفرنوت عند أهل سوس...

الإمكانات التاريخية:

المآثر التاريخية: أعتقدرغم أن نمط الحياة الذي كان سائدا في المنطقة هو الكسب و الترحال فإن ذلك لم يمنع من تواجد عدة مآثر تاريخية يمكن أن تشكل بؤر للاستقطاب السياحي رغم أن الأطماع و المصالح تكالبت عليها، كما أن الإهمال و اللامسئولية أفقدت هذه المآثر جماليتها و أهميتها:

القلع و الحصون: قلعة موحى أوحمو وسط المدينة، تعتبر قصبة موحى اْوحمّو الزّياني بخنيفرة أوّل أثر تاريخيّ مصنّف بالمنطقة ،اذ يرجع تاريخ ترتيبها ضمن الماثر التاّريخية الى سنة 1933. قلعة أقلال، كانت بمثابة مرصد لمراقبة و رصد القوافل المارة بالمنطقة. موقع غير معروف و غير مصنف. قصر أولعايدي، رغم أنه حديث البناء نسبيا إلا أنه يعتبر معلمة فريدة من حيث شكل بنائه و زخرفته و يعبر عن فترة مهمة من تاريخ المدينة. برج البرج ، حصن ارتبطت وظيفته بقلعة أقلال بحيث يقع في أضيق ممر لواد أم ربيع.

القناطر: كما يعرف الجميع أن المنطقة تقع وسط المغرب وهي معبر للقوافل التجارية التي تربط الشمال بالجنوب و خاصة أهم مدينتين هما فاس و مراكش. و هي منطقة تعبرها عدة وديان و أهمها وادي أم الربيع . من الطبيعي إذن أن تتواجد بها عدة قناطر، لعل أهمها، و التي لا زالت الشواهد التاريخية تؤشر على أهميتها: قنطرة مولاي اسماعيل، لم تصنف ضمن المواقع و المآثر التاريخية . و تركت دون عناية. قنطرة مزضلفان، يعود تاريخها ،حسب بعض الدارسين إلى العهد المرابطي. موقع غير معروف و غير مصنف.

المدن الآثرية و التاريخية: مدينة فزاز بأروكو : أو قلعة المهدي عاصمة مملكة فازاز . لعبت دورا أساسيا بين نهاية الاْدارسة وبداية المرابطين. إهمالها هو إهمال لحقبة تاريخية مهمة من تاريخ الأمازيغ خاصة و المغرب عامة. ومن حق المغربة و الزائرين معرفة تاريخهم بتسليط الضوء على كثير من الجوانب الغامضة والمستغلقة في التاريخ الوسيط لمنطقة فازاز. إغرم أوسار: رمز من رموز نسيان التاريخ الوسيط للمغرب و منطقة فازاز. تعود، حسب، أغلب المصادر التاريخية، إلى القرن الثاني عشر الميلادي في العصر الموحدي . وتبرز مآثرها نمط عيش ساكنتها و ثرائهم كما تبرز تطور الأنشطة الاقتصادية المرتبط باستخراج المعادن. تم تخريبها من طرف المرينيين الذين أعادوا استغلال معادنها و بناء قصور خاصة لسك العملة بها.

الزوايا: الزاوية الناصرية بتمسكورت، تقع على بعد بضع كيلومترات من خنيفرة على الضفة اليمنى من وادي أم الربيع، على طريق غير معبدة.موقع مهجور و غير مصنف. الزاوية الدلائية: تقع على بعد 8 كلمترات من أيت إسحاق . تأسيسها كان ،حوالي عام (974 هـ/ 1566 م) من طرف الشيخ أبي بكر بن محمد بن سعيد الدلائي لذلك تدعى أيضا "الزاوية البكرية. كانت مركزا علميا هاما، من أشهر تلاميذها الحسن اليوسي صاحب "المحاضرات" و "القانون"، وأحمد المقري صاحب "نفح الطيب"، ومحمد العربي الفاسي مؤلف "مرآة المحاسن". مع تزايد دورها العلمي تزايد الطموح السياسي الذي عبر عنه الدلائيون بعد سقوط الدولة السعدية حيث وصلوا إلى فاس وسلا وربطوا علاقات دبلوماسية مع فرنسا وهولندا وانجلترا وأسسوا امارة كبيرة شمال نهر أم الربيع. زاوية أروكو نآيت إحند و أروكو إزيان... لعبت أدوار دينية مهمة حيث رافقت بسط النفوذ السياسي للدولة العلوية على المنطقة، ذلك بنشر المذهب الرسمي للدولة.ضريح سيدي على ابراهيم قرب عيون ام الرّبيع .

الإمكانات الرياضية:

تزخر المنطقة بمؤهلات كثيرة لممارس العديد من الرياضات السياحية: مدارات للجولات الترفيهية و الرياضية بمختلف أشكالها( المشي، الركوب على الدواب، الدراجات النارية و العادية...) فبالنسبة للجولات رسم و جرب النادي أكثر من عشرين مسارا، يمكن أن تلامس كل الاهتمامات وتستجيب لكل الرغبات وبدرجات مختلفة من حيث الصعوبة. بل يمكن تنظيم جولات موضوعاتية أو تيماتية: جولات إيكولوجيةـ تاريخيةـ رياضية... مغارات: هناك مغارات جميلة و تستحق أن تكون مجالا للاستقطاب السياحي: هناك جمعيات عملت على معاينة و استكشاف العديد منها وتبين أن للعديد منها أهمية جيولوجية... الصيد و القنص: المجال الغابوي و الأودية تحتوي على وحيش كثير و متنوع( الخنزير البري، الثعلب، الأرنب، الحجل... بالإضافة إلى أنواع السمك و على الخصوص التروتة، و البلاكباس، الكاردون، و البروشي، كارب، الطانش... كل هذا يسمح بممارسة رياضتي القنص و الصيد. اماكن لمماسة التسلق: من خلال الجولات تبين أن هناك أماكن يمكن أن تشهد ممارسة رياضة التسلق، أذكر على الخصوص الحافة الصخرية لبحيرة أكلمام من الجانب الأيمن، الحافة الصغرية التي تحد المدينة الأثرية لفازاز من الجهة الجنوبية، الحافة الشرقية لجبل بوحياتي... أماكن لمماسة الطيران الحر planeurs : منطقة فازاز، المرتفعات المطلة على بحيرة أكلمام ، جبل بوحياتي، مريفعات مدينة فازاز، مرتفع "لمديفرو" بفج تنوت أفلال بتمضغاس قرب لقباب...

الإكراهات و المعيقات:

إغفال السياسة العمومية للمنطقة وعدم إدراجها ضمن برامجها الإنمائية. فوفق رؤية 2020 للسياحة وفي إطار تصورها لسياسة التهيئة و التنمية المجالية، أنشئت ثماني مناطق منسجمة يتم تركيز الجهود الرسمية لجعلها وجهات سياحية قائمة بذاتها وذات استقطاب كبير. من هذه المناطق، " المغرب الوسط" وصفت هذه المنطقة حسب ديباجة رؤية 2020 للسياحة كالتالي: << رحلة نحو مصادر الثقافة، والتاريخ، والرفاه، وذلك بفضل تكامل قوي بين مواقع فاس ومكناس وإفران.>> عدم تبين البعد التنموي للسياحة المحلية و الإيكولوجية لدى المسؤولين و المنتخبين المحليين. غياب وعي بيئي لدى السكان و لدى المسؤولين و المنتخبين، يدفع إلى تثمين المؤهلات الطبيعية للمنطقة و المحافظة عليها، بل هناك نوع من التكالب للإجهاض على ما تبقى من هذه المؤهلات: استغلال مفرط للغابة، استغلال عشوائي و مضر بالبيئة للمواقع الطبيعية... ضعف بنيات الاستقبال. غياب ثقافة الاستقبال السياحي لدى الساكنة لعوامل ثقافية ( الضيافة و حسن الاستقبال من شيم الأمازيغي عار أن يؤدى عنها) . انعدام التكوين لدى الفاعلين المحليين. ضعف إمكانات التأطير لدى جمعيات المجتمع المدني. غياب تسويق فعال للمنطقة كمنتوج سياحي. عدم تفعيل القانون المتعلق بالمناطق المصنفة و المحمية. رضوخ المنتخبين لرغبات بعض مستغلي المواقع الطبيعية، باعتبارهم قاعدة انتخابية ينبغي الحفاظ عليها، أكلمام و عيون أم الربيع نموذجين.

الحلول:

الإسراع بإخراج مشروع منتزه خنيفرة إلى الوجود. إدراج ما تبقى من المواقع الطبيعية و التاريخية ضمن لائحة التراث الوطني. تفعيل القانون المتعلق بالمناطق المحمية و المصنفة( ظهير 1943). حماية المناطق المستقطبة للسياحة الداخلية و تنظيم المهن بها. حماية المجال الغابوي من خلال خلق فرص شغل بديلة للسكان. إشراك السكان في كل البرامج التنموية و إدماجهم في خطط تنمية السياحة الايكولوجية و تجاوز سياسة الإملاءات. تثمين المؤهلات السياحية للمنطقة و إعداد مخططات للتهيئة قصد تشجيع المستثمرين و الرفع من القدرة الإيوائية للمنطقة و تجويدها.

Partager cet article
Repost0
24 février 2017 5 24 /02 /février /2017 17:19

سبق لي أن أشرت أن والدتي من قرية أروكو نآيت إحند ولكل ارتباط عاطفي خاص بمسقط رأسه فكلامها عن قريتها وعن تاريخها كان يحمل من الحنين ما يجعله ممتعا. كما سبق لي أن أشرت أن هذه القرية من التجمعات السكنية القديمة في المنطقة،قرية عرفت بزاويتها الطاعنة في القدم، عرفت توافد العديد من الحفظة و الفقهاء والعلماء. كما عرفت بنشاط حرفي سينتقل بعد ذلك إلى مراكز سكنية أخرى بالمنطقة و خاصة صناعة الأحدية أو "تاصبطريت". ومن ثمة كانت القرية مستقرا للعديد من العائلات اليهودية، منهم من اعتنق الإسلام وأصبحوا يعرفون بلقب " إسلاميين" (النطق بالأمازيغية) ومنهم من حافظ على معتقده. و لعل آخرهم خالتي حورود وعمي احرورود حسب السيدة الوالدة. لكن ما أثار انتباهي في كلام السيدة الوالدة عنهما، أنهما كانا طاعنين في السن و لا يقويان على العمل بل كان احرورود بصيرا . وكان احرورود يقضي أيامه في حراسة جنان القرية وكان ذكيا بحيث كان يتحسس قدوم الأطفال من خلال الرائحة. فيعاقب الأطفال المخالفين و المشاغبين دون أن يثير ذلك حنق وغضب أهل القرية لقد كان كأي فرد من أفراد القرية يقوم بالتربية الجماعية للأطفال، فالتربية كانت شأنا جماعيا. كما أنهما كانا يعيشان من نفقات و عطايا أهل القرية يقتسمون طعامهم بل إن نصيبهما من الزكواة و الصدقات كانا يتوصلان به دون ميز. و لما ماتا تم دفنهما في المقبرة اليهودية الموجودة على مشارف القرية.

Partager cet article
Repost0
4 janvier 2017 3 04 /01 /janvier /2017 21:13

 

الديموقراطية المغربية بين تهافت السياسة و سياسة التهافت.

إن ما عاشه المغرب خلال بضع سنين الأخيرة من تاريخه السياسي، و منذ إقرار الدستور الجديد مرورا بمحطة السابع من أكتوبر 2016 وصولا إلى ما يعتمل الآن من عسر في مخاض ولادة الحكومة الجديدة، يدفع إلى التأمل في ما يفرز من مفارقات و على مستويات مختلفة: من حيث البدايات و المنطلقات، السيرورة و المجريات، المخلفات و النتائج. تأمل يمكن أن يكون خيطه الناظم التساؤلات التالية: هل هذه المفارقات هي نتاج أخطاء سياسية يمكن أن تحصل في أية ديموقراطية مهما تكن عريقة ومتطورة، أم أنها نتاج سياسة متهافتة ميزت وتميز تجربة سياسية شادة ومستعصية عن أي تصنيف؟ هل ستكون استحقاقات أكتوبر 2016انطلاقة لترتيب الحقل السياسي بالمغرب و مناسبة لإرساء تأصيل أخلاقي و ثقافي و قانوني لممارساتنا السياسية، أم سنتخلف كعادتنا عن القطار ونظل في هذه المحطة التي اصطلح على تسميتها محطة الانتقال الديموقراطي؟

في مستوى أول يمكن الانطلاق من التأكيد أن الدستور الجديد، و رغم كل الانتقادات التي قدمت له، يشكل مرتكزا قانونيا متقدما يمكن أن يؤطر الدينامية السياسية الجديدة. فهو دستور ذي وضع خاص بحيث كان جوابا رسميا على الحراك الشعبي الذي شهده الشارع المغربي و الذي أطرته حركة عشرين فبراير. جواب لبق استطاع أن يحقق أربع أهداف أساسية.

  • تمثل الأول في امتصاص غضب الشارع بتقديم بعض التنازلات التي لم تمس جوهر السلطة. فكان الإعلان عن اقتراح الاستفتاء على دستور جديد مناسبة لتحويل التظاهر الجماهيري المطالب بالتغيير، إلى أعراس مهللة بالفتح الجديد جابت كل شوارع قرى ومدن المملكة.
  • يكمن الهدف الثاني في سحب البساط من تحت أقدام الحركات الراديكالية ، و شرعنة مختلف أشكال العنف التي تعرض لها مناضلوها ووجهت بها تظاهراتها.
  • يكشف الهدف الثالث عن الكيفية التي تم بواسطته تقييم الوزن الجماهيري لبعض القوى المشاركة في الحراك، حيث سمح للعديد من التنظيمات الجماهيرية و السياسية بأن تنسحب من حركة عشرين فبراير، بعد أن لمعت صورتها، لتنخرط و تهلل و بدون حرج سياسي للتحولات القادمة التي ستتيح لبعضها تحقيق مكاسب سياسية كبيرة.
  • وأخيرا كشف الهدف الرابع عن ثمرة ذلك الحراك الجماهري الذي جاءت نتائجه عكسية عما ابتغاه ورمى إليه، إذ تحققت تزكية قوة النظام و تعززت هيمنته، وأصبح بذلك الربان الوحيد في قمرة قيادة سفينة الحياة السياسية بالمغرب. كما أتيحت له فرصة تدبير الأزمة والخروج منها بنتيجة مشرف جدا، فتحكم في مجريات التغيير وفق استراتيجيته و منظوره الخاصين. من ثمة تراج سقف المطالب الجماهيرية، بل تقزمت مطالب حركة عشرين فبراير، من مطلب التغيير الراديكالي لتصبح على أرض الواقع إصلاحا دستوريا محدودا. فحقق النظام التغيير لكن في إطار الاستمرارية التي وضعت لبناتها الأولى منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني. جاءت حكومة ما بعد الاستفتاء لتنجز مهمة محددة تمثلت في تنزيل الدستور و إتمام هيكلته القانونية. لكن سرعان ما تبين أن أطراف متعددة لم تستطع أن تلتزم بالمبادئ التي تم إقرارها في الدستور رغم محدوديتها. فحاولت الحكومة مثلا الالتفاف حول بعض المبادئ التي تعتبرها منافية لمبادئها الأخلاقية. هذا ما كان يفسر تأخر إقرار بعض القوانين التنظيمية، و ما يفسر، كذلك، إفراغ بعض المبادئ الدستورية من مضامينها الحقيقية في شكل قوانين جوفاء. فكان ذلك تجاوزا صارخا للإرادة الشعبية و إيذانا ببداية سلسلة من التراجعات الخطيرة. من زاوية أخرى لاحظناأن مجيئ حكومة بنكيران صاحبته دينامية على مستوى الخطاب السياسي. فبدى الأمر في البدء وكأنه تعبير عن إرادة سياسية لإرساء تقاليد ديموقراطية أساسها رفع التعتيم وفتح الحقل السياسي على المجال العمومي. فكانت الخرجات الإعلامية لرئيس الحكومة تحظى بتتبع شعبي كبير. لكن سرعان ما انتقلت هذه الدينامية إلى مديح لا مشروط لأسلوب البطل السياسي الجديد بنكيران، فأنصاره و بعض المحللين السياسيين اعتبروا ، في بداية ولايته، أن رئيس الحكومة، جعل الخطاب السياسي يدخل البيوت و يتخذ أشكلا تلامس أفهام و هموم عامة المواطنين. لتصبح هذه الدينامية بعد بضع شهور، صخبا سياسيا شبيها بحوار الصم بين منتقدين أشهروا لافتات اللاءات، و مناصرين تمسكوا بشوفينية العربي الذي ينصر أخاه ظالما أو مظلوما. لينتقل الصراع بعد ذلك من مستوى الخطاب السياسي اللبق إلى لغط سياسوي و إلى كلام سوقي جارح، خاصة على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي. لغط أشهر فيه كل طرف و على كل مستويات الهرم السياسي من الزعماء إلى ابسط المناضلين، ما توفر لديه من أسلحة مشروعة سياسيا و أخلاقيا أو غير مشروعة. وسيحتد الصراع مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية لتنشر أمام الرأي العام الفضائح المالية و الأخلاقية لمناضلي و زعماء حزب العدالة و التنمية و هيئاته و تنظيماته دون غيرهم من الزعماء و المناضلين من الأحزاب المشاركة في الحكومة و كأن هؤلاء حمائم بريئة. فكانت الديموقراطية هي الخاسر الكبير في هذا اللغط فأبعد المواطن نفسه عن الصراع متقززا من مستواه أو جعل منه موضوعا لمسامرات المقاهي.

أما في مستوى ثان، ويتعلق الأمر بالاستحقاقات الانتخابية لشهر أكتوبر. فإذا تميزت بحفاظ الإدارة على حيادها خلال فترة الحملات الانتخابية، و خلال يوم الاقتراع و فرز الأصوات، فقد غطت غيوم قاتمة صفو سماء التجربة. لوحظ من جهة، استمرار الهشاشة الحزبية إن على المستوى التنظيمي أو على المستوى الإيديولوجي. و أعتقد أن الخطاب الافتتاحي للدورة التشريعية العاشرة تضمن إشارة إلى ذلك. فقدقال جلالة الملك، أن ملك المغرب هو ضامن التعددية السياسية في المغرب. ألا يمكن أن نعتبر أن في هذا تحجير على مهام الأحزاب؟ لكن و الحال هذا، من غير الملك يمكن أن يضمن ذلك في ظل أحزاب سياسية متشرذمة و ضعيفة، غير واضحة إيديولوجيا، و غير قادرة على القيام بمهامها كمؤسسات تؤطر المجتمع و تمثل مطامحه؟ و من جهة ثانية لوحظ استمرار تغييب صراع الأفكار و البرامج و الملفات السياسية و الاقتصادية الأساسية من الحملات الانتخابية لتركز ، هذه الأخيرة، على الأشخاص و مكانتهم الاجتماعية و المالية المحلية و كأن الأمر يتعلق بانتخابات جماعية و استحقاقات محلية. و بالإضافة إلى ما سبق، لوحظ الغياب التام للديموقراطية الداخلية الضامنة للمناعة الحزبية و لتجدد النخب. فلا البرامج أفرزتها المشاورات القاعدية. و لا التحالفات نتجت عن اختيارات مبدئية تعبر عن مطامح و تطلعات المناضلين. كل القرارات كانت فوقية فلا القيادات كلفت نفسها عناء تبرير قراراتها في دوريات داخلية أو بيانات عامة. و لا القواعد الحزبية احتجت على ذلك. وفي نفس السياق و من الممارسات التقنية المسيئة للديموقراطية، لوحظ تغييب الهياكل الحزبية و آليات الديموقراطية الداخلية في اختيار مرشحي الأحزاب .بل من المرشحين من فرض فوقيا رغما عن قرارات و اختيارات القواعد محليا. ناهيك عن استمرار اعتماد أساليب غير مشروعة في منح التزكيات لمرشحي الأحزاب و هذا ما يفقه تفاصيله العادي و البادي و يستحوذ على مسامرات الناس في المقاهي و كأن الأمر عادي و لا يستحق أية حركة. ثم ثالثا، الغياب التام لتتبع مالية الحملات الانتخابية و مراقبة صرف المال العام المخصص للانتخابات، مما جعل مطلب الحكامة خارج أي اهتمام. و أما رابعا، فتمثل في إضعاف دور مناضلي الأحزاب بل إقصائهم من حلبة الصراع والمنافسة و تفضيل مول الشكارة، الذي تحول من الغريب تنظيميا و إيديولوجيا إلى زعيم محلي و مالك لناصية الحزب و متحكم في حاضره و مصيره. وأما الممارسة المشينة الخامسة، فتمثلت في السكوت الرسمي في بعض لحظات الحملات الانتخابية على العديد من الخروقات كشراء الأصوات و الولائم... بدا الأمر و كأن هناك تآمرا جماعيا على إفشال التجربة الديموقراطية. ليس المدان فيه الإدارة فقط بل الأحزاب بتخليها عن أدوارها التوعوية و التأطيرية، والنخب السياسية بأنانيتها و نرجسيتها النخبوية ، و المثقفون بنخبويتهم و بعدهم عن الجماهير، و المواطنون بانخراطهم عن جهل أو طمع في الخروقات.

أما في المستوى الثالث، فيتعلق الأمر بنتائج و مخلفات الاستحقاقات الانتخابية و ما أفرزته من مفاجآت. مفاجئات نعتها بعض المتتبعين بالثورة. على اعتبار أن هذه الاستحقاقات كانت حبلى بمؤشرات ذات دلالات خاصة في التجربة الديموقراطية المغربية. فرغم العداءات التي أثارتها سلوكات و تصريحات رئيس الحكومة مع أغلب الفاعلين السياسيين بما فيهم الملك ذاته، ورغم الممارسات و اللغط الذي سبق السابع من أكتوبر، عداءات و ممارسات كانت توحي باندحار مدو و تاريخي لحزب المصباح، فلأول مرة في تاريخ المغرب يحتفظ نفس الحزب و نفس الشخص برئاسة الحكومة لولايتين. ولأول مرة يحافظ نفس الحزب على ثقة صناديق الاقتراع لولايتين. بل وضدا على كل التوقعات يحصد حزب المصباح ماءة و خمس و عشرين مقعدا في مجلس النواب، بزيادة ثمانية عشرة مقعدا إضافيا مقارنة بالاستحقاقات الماضية. المؤشر الثاني، تمثل في بروز نوع من القطبية الحزبية الثنائية. طرفها الثاني إلى جانب حزب المصباح، حزب الأصالة و المعصرة، الذي حصل على ماءة و مقعدين بزيادة خمس و خمسين مقعدا عن الاستحقاقات الفائتة. صحيح أن هذا التقاطب ليس مؤسسا على اختيارات إيديولوجية أو برامجية لكنه رغم ذلك فهو مؤشر إيجابي على إمكانية تطور التجربة نحو قطبية حقيقية تساعد على تجاوز التشرذم الذي طبع المشهد الانتخابي و الذي يستحيل معه إفراز أغلبية قادرة على الحكم بناء على نتائج صناديق الاقتراع. إن مطلب تجاوز التشرذم الحزبي هذا، و تأسيس المشهد الحزبي على تقاطب حقيقي، ليس مطلبا داخليا فقط. بل هو مطلب بعض المؤسسات الدولية و بعض الحكومات الخارجية كذلك، الاتحاد الأوربي و الولايات المتحدة الأمريكية على الخصوص، حيث حاولتا مرارا ممارسة ضغوط على المغرب لإرساء تقاطب ثلاثي أو رباعي: يمين ووسط و يسار، مع إمكانية قبول تيار ذي توجهات إسلامية معتدلة. إن القطبية الحزبية الجديدة فرضت على كل الأحزاب الأخرى أن تلعب أدوار ثانوية. كسد الثغرات وتأثيث التحالفات وفق سيناريوهات يتناوب حزب المصباح و حزب الجرار على البطولة فيها. و إن كان هذا الوضع مريح للأحزاب الصغرى و الطفيلية إلا أنه محرج للأحزاب الوطنية و الديموقراطية ذات الإرث التاريخي الكبير. و أما المؤشر الثالث و الذي أعتبره درسا سياسيا تلقته كل الأحزاب كصفعة أتمنى أن تدفعهم إلى صحوة للضمائر التي ماتت وأماتت معها الحياة السياسية في المغرب، فتمثل في النجاح الذي حققه حزب المصباح. فمقارنة بسيطة للنتائج تفصح عن حقيقة موجعة لكل الأحزاب بما في ذلك الأحزاب التاريخية الكبرى. فإذا كان حزب الأصالة و المعاصرة هو الحزب المعارض الوحيد الذي استطاع أن يحسن نتائجه بزيادة خمس و خمسين مقعدا مقارنة بالاستحقاقات السابقة، فإنه لم يحقق المراد رغم أن التكهنات و الاستطلاعات كانت لا تشكك في ترأسه للحكومة المقبلة. و أما باقي الأحزاب فقد منيت بهزيمة نكراء. خسر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 19 مقعدا. خسر التجمع الوطني للأحرار 15 مقعدا.خسر حزب الاستقلال 14 مقعدا. و حزب التقدم و الاشتراكية خسر 6 مقاعد. خسرت الحركة الشعبية 5مقاعد و الاتحاد الدستوري خسر 4 مقاعد . وأما القادم الجديد الذي يعول عليه اليساريون و أغلب الساخطين على الأحزاب التقليدية، فيديرالية البسار الديموقراطي، فلم يحقق إلا مقعدين بعد تحالف عسير بين ثلاث أحزاب. إن هذه النتائج درس سياسي فحواه، أن نجاح حزب العدالة و التنمية لم يكن محض صدفة، بل كان في نظري نتيجة أمرين أساسيين: الخلفية الإيديولوجية و المتمثلة في إشهار شعارات ذات نفحات أخلاقية دينية. و هو تكتيك تواصلي يستثمر الدين كخطاب يتلقاه المواطن المغربي من مختلف الطبقات، و كأنه بديل عن الخطابات "الديماغوجية" المناسباتية للأحزاب الأخرى. و هو تكتيك ذكي يربط العمل الحزبي ببعد قيمي متأصل في الثقافة المغربية. قد لا يوافقني العديد من المتتبعين هذا التوصيف، بحجة أن الدين ليس مجرد أداة للتواصل بل هو التقعيد الإيديولوجي لسياسة الحزب. فأجيب أن حزب العدالة و التنمية حزب محافظ بعباءة أخلاقية دينية وليس حزبا دينيا كالإخوان المسلمين في مصر مثلا. إن العباءة الأخلاقية لحزب العدالة و التنمية، لا تتمايز عن القيم التي يتبناها المغاربة. فالمغربي لا يرى تناقضا بين التمسك بأوقات الصلاة و الاقتراض من البنك. كما أن رئيس الحكومة لا يرى حرجا في إمساك السبحة بيده اليسرى و مصافحة النساء بيده اليمنى. و من جهة أخرى لم يسبق للحزب أن أعلن رغبته في جعل الشريعة الإسلامية دستورا للبلاد و أساس لقوانينه. كما أنه لم يجعل من الجهاد و المواجهة سلاحا ضد النظام. بل ينتهز كل مناسبة ليعلن أن الحوار و الجدال بالتي هي أحسن سنته و شريعته. في المقابل إن غياب الوضوح الإيديولوجي و نمطية الخطاب عند الأحزاب السياسية الأخرى جعلها تفقد مصداقيتها و مكانتها التنظيمية في خلد و حياة المواطن المغربي. وأما الأمر الثاني الذي كان وراء ما حققه حزب العدالة و التنمية من نجاحات، الانضباط الحزبي لكوادره و مناضليه، بالإضافة إلى تغلغل و التحام المنظمات الجماهيرية و الدعوية للحزب بالمواطنين. بالإضافة إلى استثمار الخطاب الديني و العمل الاحساني لتسهيل هذا التغلغل. في حين كان نشاط الأحزاب الأخرى موسميا مناسباتيا انتخابيا. بالإضافة إلى اندحار منظماتها السياسية و الجماهيرية و النقابية و تراجع شعبيتها و دورها التعبوي و التنظيمي. صحيح أن هذا الوضع لا يزيغ عما يميز المشهد السياسي على المستوى العالمي. مشهد يتميز بسيطرة الاقتصادي على السياسي، تغول العولمة و غياب البعد الفكري و القيمي في الصراع السياسي. بالإضافة إلى سيطرة قيم الرأسمال و سيادة هواجس الربح و الإنتاجية و تقليص تكلفة الإنتاج. هذا كله أنتج عزوفا سياسيا و تراجعا لعمل المنظمات الجماهيرية التقليدية كالنقابات. رغم كل هذا فلاندحار الأحزاب المغربية أمام حزب المصباح أسباب ذاتية عميقة تقتضي نقدا ذاتيا و عملا إصلاحيا جذريا.

و في المستوى الرابع، فيتعلق الأمر بتأخر تشكيل الحكومة لمدة تفوق الشهرين من موعد تعيين الملك لبنكيران لتشكيل الحكومة الجديدة. هل الأمر عاد ويمكن أن تشهده أية ديموقراطية، أم أن الأمر شدود وزيغ لا يحكمه إلا منطق اقتسام الغنيمة الانتخابية؟ دون الدخول في سجال تغيب عنا فيه المعطيات التي يمكن أن تساعد على بلورة موقف واضح، أسجل التالي: إذا كان الدستور الجديد يفرض على الملك اختيار رئيس الحكومة من الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد، فإن هذا الدستور لا يفرض على الملك تعيين زعيم ذلك الحزب أو شخص بعينه. و أعتبر أن تعيين بنكيران مؤشر إيجابي تمثل في احترام الملك للإرادة الشعبية و ما افرزته صناديق الاقتراع. لعل ما جعلني إبدي هذه الملاحظة ما سبق استحقاق سابع أكتوبر من نقاش حول التصرفات الغير اللبقة سياسيا لرئيس الحكومة، و التي تمثلت في تطاوله المتكرر على رموز المخزن، بالإضافة إلى إثارته لسخط الملك في ملفات حساسة وفي مناسبات متعددة. إذا كان تشكيل الحكومة يقتضي أغلبية عددية فإن هذا المنطق ليس وحده هو ما يحكم التوافقات السياسية التي ينبغي أن تتأسس على توافق البرامج و التصورات. من هنا يقتضي إرساء ذلك، نقاش مضني يستغرق حيزا زمنيا كافيا. لكن منطق الديموقراطية يقتضي الانفتاح على المواطن عوض حصر الصراع السياسي في الصالونات و الأروقة المغلقة و كأن مهمة المواطن انتهت بانتهاء إدلائه بصوته. صحيح أن هناك بعض الخرجات الإعلامية إلا أنها لم ترق إلى مستوى نقاش سياسي ديموقراطي يحترم ذاته و يحترم المواطن. مما استدعى تدخل الملك لينبه الجميع أن الأمر ليس غنيمة للاقتسام. فمن المنطقي إذن أن يولد تهميش المواطن ردود فعل سلبية تمثلت في نظرته لغياب الحكومة كنعمة من الله جاءت بالخير و الغيث. إن الدستور وتصرفات الملك يتيحان هوامش للتحرك بل للمناورة السياسية لكل من الرئيس المعين والأحزاب المؤهلة للمشاركة في الحكومة القادمة. لكن هذه الأطراف، على ما يبدو، لم تحسن استثمارها. فماغيبه الجميع هو قاعدة ديموقراطية بسيطة، تتمثل في كون أن نتائج الاقتراع هي إثابة أو عقاب شعبيين لهذا التوجه أو ذاك. فمن غير المنطقي إذن أن يخضع النقاش حول تشكيل الحكومة لمنطق مناف للإرادة الشعبية. فكيف يتجرأ حزب ووجه بتصويت عقابي كبير أن يطمع، دون خجل، في التحكم في مواقع حساسة في الحكومة القادمة. فلوكنا في ديموقراطية نسبية لاختلف الأمر. أعتبر أن ما يحدث منطق سياسي متهافت و إساءة عظمى للديموقراطية.

فهل ننتظر مرة أخرى نجدة و تحكيما ملكيين؟ أعتبر و الحال هذا أن المخاض عسير و أن الولادة تجاوزت زمانها، فسواء كانت الولادة قيصرية أو طبيعية فلا يمكن للمولود إلا أن يكون إما مشوها أو ميتا. لكن في مثل هذه الحالة قد لا نبالي بالمولود بل بسلامة الأم. فمطلوب حكومة ميتة أو مشوهة ومطلوب تجاوز هذه السياسة المتهافتة لإنقاد التجربة وحفظ ما الوجه.

ما يمكن استخلاصه، هو أن هناك نوع من المآمرة الجماعية على الديموقراطية في المغرب. هذا يعني أن ما يعيق استثمار إيجابيات المرحلة وما يعيق تحقيق ديموقراطية حقيقية، ليس أخطاء سياسية تصاحب ممارسة هذا أو ذاك بل إنها سياسات خاطئة متهافتة يشارك فيها الجميع. البعض عن قصد و البعض الآخر عن غير قصد. النظام تماشيا مع استراتيجية واضحة المعالم. الأحزاب خدمة لمصالح نخبوية مرحلية ضيقة. المثقفون بتخاذلهم أو سكوتهم. المواطن بمساهمته و مشاركته و مباركته للإفساد. و الخاسر الأكبر في كل هذا هو الديموقراطية وعموم الطبقات التواقة إلى الحرية و إلى الاستفادة من تقاسم حقيقي لثروات البلاد.

المصطفى تودي

خنيفرة 23/12/2016

Partager cet article
Repost0
4 janvier 2017 3 04 /01 /janvier /2017 21:09

الحــقـيـقــــــة

تقديــــــــــــــــم:

يرتبط مفهوم الحقيقة بالمعرفة كفاعلية إنسانية تتحدد من خلالها علاقة الإنسان بذاته بغيره وبالعالم. ويتحدد مجالها الإشكالي بسعي الإنسان إلى اكتشاف ذاته والغير والعالم وفتح مغاليقها وإزاحة ما أشكل عليه فيها. من هنا يفتح مفهوم الحقيقة على مشكل طرقها ومعاييرها وغاياتها وقيمتها.

ما علاقة الحقيقة بالرأي؟ هل الحقيقة معطاة أم أنها بناء؟ما هو سبيل بلوغها؟ فما علاقة الإنسان بالحقيقة؟ ما قيمة الحقيقة ولماذا نرغب فيها ؟ وهل الحقيقة منفصلة عن أضدادها كاللاحقيقة والوهم؟

المحور الأول: الرأي والحقيقة.

عادة ما تنادي الفلسفات، ومنذ اليونان، أن طريق الحقيقة مفارق لعالم الحس والرأي. فأفلاطون يرى أن عالم الحقيقة هو عالم المثل. وسقراط يوصي بعدم الاستكانة إلى العادة والتقليد والحس المشترك. فما تعتقد الجماعة أنه حقيقي لا يعني بالضرورة أنه كذلك.فالحكم ، إذن، هو العقل. على خلاف ذلك، هناك من يرى أن الحقيقة ليست حكرا على العقل وحده. فبليز باسكال، يعتبر أن العقل لا يمكنه احتكار الحقيقة، لأن هناك طرقا أخرى لمعرفتها، منها القلب أو العاطفة أو الرأي. فإذا كان العقل أداة لمعرفة القضايا عن طريق البرهنة والاستدلال العقليين، فإن القلب أداة لإدراك المبادئ الأولى عن طريق الشعور والحدس. ويشير القلب عند صاحبنا، إلى قوة الإدراك المباشر للحقائق. فالمبادئ هي الحقائق الأولى التي يتعذر الوصول إليها بالاستدلال العقلي كالمكان والزمان والحركة والأعداد...و عليها يستند العقل لتأسيس قضاياه وخطابه بكامله. إننا نشعر بالمبادئ أما القضايا فنستخلص بعضها من بعض عن طريق الاستدلال العقلي. ولكل منهما نفس اليقين وإن اختلفت الطرق المؤدية إليه.

في مقابل هذا الطرح، يرى الإبستملوجي الفرنسي، غاستون باشلار، أن العلم يتعارض مع الرأي. فالحقيقة العلمية لا ينبغي أن تأسس على الرأي لأن الرأي تفكير سيئ بل إنه لا يفكر البتة.إنه يربط المعرفة بالمنفعة، و يترجم الحاجات إلى معارف. إن الرأي عائق ابستملوجي، ينبغي هدمه وتخطيه وإحداث قطيعة إبستملوجية معه.

يمكن أن نستنتج أن هناك مفارقة بين الحقيقة والرأي. فقد يبدو الرأي هشا على اعتبار أنه حقيقة خاصة مرتبطة بشخص أو اعتقاد صادر عن الوجدان أو العاطفة أو القلب. وفي المقابل نعتقد أن الحقيقة تكون صلبة حينما تصدر عن العقل. لكن ألا يكون الرأي أكثر صلابة من الحقيقة؟ ألا نؤمن ونركن لما يصدر عن القلب والوجدان أكثر مما نرتاح لما يصدر عن العقل؟ ألا يكون العقل عاجز عن معرفة كل شيء؟

المحور الثاني: معايير الحقيقة.

على ماذا يمكن أن تتأسس الحقيقة؟ ما معيار صدقها وصلاحيتها؟ ومن أين تستمد الحقيقة قوتها؟

يعتبر روني ديكارت، أن الأفعال العقلية التي تمكن من بلوغ الحقيقة،هما الحدس والاستنباط. ويعني الحدس في نظره، إدراكا عقليا بسيطا يصدر عن عقل خالص ويقض لا يبقى معه أدنى شك. أما الاستنباط فهو مصدر غير مباشر لإدراك الحقائق يتم من خلاله استنتاج حقائق جديدة من حقائق أولى معلومة من قبل وإن لم تكن بديهية. فالاستنباط يضمن الترابط الضروري بين الحقائق الأولى والنتائج. لذا يربط ديكارت قواعد المنهج بالحدس والاستنباط : فالبداهة ترتبط بالحدس. أما التحليل والتركيب والمراجعة فترتبط بالاستنباط .

نستنتج أن إدراك الحقيقة يتم بواسطة الحدس أولا ثم الاستنباط ثانيا. لأنهما فعلان لفحص الحقائق وتمييزها عن الأخطاء، بل هما أساس المنهج المؤدي إلى الحقيقة.

أما الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا، فيرى أن الحقيقة معيار ذاتها ولا تحتاج لأي شيء خارج عنها. إنها بديهية واضحة تفرض نفسها بوضوحها التام، على النظر ولا يمكن حجبها. إنها في نظر اسبينوزا كالنور بها ينقشع الظلام، وهي بذلك لا تحتاج إلى ما يكشفها أو يؤكدها. ومن ثمة فهي التي تكشف وتضيء جميع الأفكار.

إذا كانت الحقيقة تستهدف بلوغ اليقين والإقناع وفرض سلطتها المعرفية، فإن ذلك يطرح مشكل معاييرها وسبل تحقيقها لذلك. فهل تكون كذلك لكونها حدسية أم عقلية أم واقعية. ويتضح من خلال ما سبق أن معيار الحقيقة يتمثل في انسجام الفكر مع ذاته ومع مبادئه من منظور عقلاني. أما الاتجاهات التجريبية فيكون معيارها لديها مدى مطابقتها للواقع.

المحور الثالث:الحقيقة بوصفها قيمة.

ما قيمة الحقيقة؟هل تستمد قيمتها الفلسفية من ذاتها كحقيقة أم من خلال أضدادها كالتيه والخطأ والوهم؟ أليست للحقيقة قيمة نفعية؟

ينتقد هايدجر التصور التقليدي للحقيقة لأنه يتأسس على مفهوم المطابقة . إنها، في نظره،تتمثل في العلاقة الإشهادية بين الحكم والشيء، فالحكم يشهد ويحضر الشيء أمامنا باعتباره موضوعا. وتنبثق الحقيقة باعتبارها انكشافا للموجود أمام فكر منفتح عليه. و يدل الكشف، من هذا المنظور، عن نسيان ونفي للخفاء. وتكون الحقيقة كانكشاف مشروطة بالذات وحريتها. وإذا كان الأمر كذلك،وبما أن الذات تتحدد من خلال وجودها مع الغير .أي من خلال الوجود الزائف الذي يخلقه << الوجود ـ مع ـ الغير >> ال،، هم ،، Le ON ، وهذا الوجود هو نسيان للموجود وانصراف إلى ما هو أكثر رواجا، فإن الحقيقة تكون مشروطة باللاحقيقة والتيه، باعتبار التيه هو ميدان نسيان الوجود.

نستنتج أن الإنسان لا يقيم في الحقيقة فقط،بل يقيم في اللاحقيقة وفي التيه كذلك، من هنا لا يمكن للحقيقة أن تشتغل في معزل عن اللاحقيقة. أي أن الحقيقة ليست قيمة مطلقة وليست لها ماهية خاصة معزولة عن ضدها وهو التيه.

من منطلقات فلسفية مغايرة، يربط إريك فايل بين الحقيقة والخطاب. فمشكل الحقيقة لا يمكن اختزاله في مطابقة الفكر للواقع، ليكون الخطأ، بالتالي،تعبيرا عن عدم المطابقة بينهما. إن مشكل الحقيقة، في نظر فايل، هو مطابقة الإنسان مع الفكر. ذلك من خلال بناء خطاب متماسك عقلاني يؤسس المعنى وينفي العنف. إن الوعي الصحيح، إذن، لا يتحدد في امتلاك الحقيقة بل في الفعل وفهم الفعل. و قيمة الحقيقة لا تتحدد في تجاوز الخطأ و اللامعنى بل في إلغاء العنف لصالح المعنى.

 

خلاصة عامة:

يتضح من خلال ما سبق أن الحقيقة مفهوم إشكالي يحيل على تفكير الإنسان في ذاته و في العالم والغير. ومن جهة أخرى تحيل الحقيقة، كغاية للمعرفة البشرية، على مفاهيم محايثة لها كالرأي والقلب... كما يحيل التفكير في الحقيقة على مشكل معاييرها. فبقدر ما يطرح الحدس والاستنباط العقلي كأسس لها، بقدر ما يعتبر البعض أنها معيار ذاتها. وأخيرا تحيل الحقيقة كقيمة على التوتر الأنطلوجي بينها وبين أضدادها كاللاحقيقة والتيه والوهم والخطأ و العنف...

 

خلاصة المجزوءة:

يتأسس الوجود البشري على نشاط عقلي منتج للمعرفة. وجود لا يتوقف عند وعيه بذاته وبالعالم وبالغير، بل يحاول فهم وتفسير ذاته وغيره والعالم، وغايته في ذلك بلوغ الحقيقة. والمعرفة باعتبارها فعالية إنسانية، تتميز من جهة بالموضوعية، حين تحاول التعامل مع الواقع ومع الظواهر الإنسانية، بمناهج اختبارية تتأسس على التجريب والصياغة الرياضية. ومن جهة ثانية، تتميز بحضور الذات وتجاوز الموضوعية، بحيث لا ينصت العالم للطبيعة بل يسائلها ويستنطقها من خلال اعتماد فروض وكيانات من إنتاج الذات. وإذا كانت الحقيقة في الأولى موضوعية مستقلة عن تدخل الذات، تكون في الثانية ذاتية. من هنا يتضح أنه في مجال المعرفة الإنسانية يصعب وضع خط فاصل بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي. ومن ثمة تفترض المعرفة البشرية مقاربة مفتوحة يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، العقلي والواقعي، الحقيقي و اللاحقيقي، النظري والتجريبي....

*****************************

 

Partager cet article
Repost0

تقديم

  • : Le blog de Taoudi El Mustapha
  • : Cours de Philosophie et Randonnées
  • Contact