Overblog
Editer la page Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
/ / /
  • بالعنف في المجال السياسي الاستعمال اللامشروع وغير العادل للقوة . ومن ثم، فإن العنف هو إلحاق أذى جسمي أو نفسي أو معنوي بفرد أو جماعة بشرية . تعددت أشكال العنف، كما تنوعت أدوات وتقنيات ممارسته، بدءا من الكلام إلى وسائل التعذيب الحديثة التي أنتجتها الحضارة الحديثة. ومن ثم، انتقلنا من عنف الطبيعة:الزلازل، البراكين، الفيضانات... إلى عنف الإنسان. يبدو العنف لأول وهلة كظاهرة تتعارض مع التفكير، يبدو و كأنه مفارق لعالم البشر عالم العقل والتفكير، يبدو و كأنه عديم الشكل و فاقدا للمعنى. لكنه اليوم أصبح حاضرا بإلحاح في كل مظاهر الحياة: في ملاعب كرة القدم في الطرقات و المنتزهات في ألعاب الأطفال في وسائل الإعلام... إن العنف يفرض ذاته على التفكير والتأمل في طبيعته في تعقد وغموض مظاهره، في تعدد وتنوع أشكاله، من عنف مادي ملموس، إلى عنف رمزي غير ظاهر. ناهيك عن الدور الذي لعبه ويلعبه في التاريخ. وأخيرا في العلاقة المضطربة التي تربطه بمسألة المشروعية. ما العنف، ماهي أشكاله و تمظهراته؟ كيف يعمل العنف على رسم مسارات التاريخ الإنساني؟ هل العنف فعل مشروع أم أنه فاقد لكل مشروعية؟

 

المحــــــور الأول: أشكال العنف

ما هي مظاهر العنف وما هي غاياته ؟ ما أصل النزعة العدوانية لدى الإنسان؟ هل هي غريزية طبيعية أم ثقافية مكتسبة ؟

يعتبر العالم النمساوي كونراد لورنتز ، في كتابه " الإنسان في نهر الكائنات الحية" ، أن النزعة العدوانية لدى الإنسان شكل من أشكال العنف. و هي نزعة مكتسبة وطبيعية في نفس الوقت. فالإنسان يولد مسالما خاليا من العنف لكنه يكتسب عنفه. وللعنف عند الإنسان نفس الوظائف الموجودة لدى الحيوان و المتمثلة في الحفاظ على النوع. إلا أن النزعة العدوانية لدى الحيوان لا تصل إلى نتائج قاتلة و ذلك بفضل آليات كابحة متواجدة في الجهاز العصبي المركزي. لكن لماذا لم يستطع الإنسان أن يحد من عدوانيته؟ لماذا يكون الإنسان الكائن الوحيد الذي يقتل بني جنسه؟ يرى كونراد أن حل مشكل العنف عند الإنسان يقتضي التوجه إلى العقل و أخلاق المسؤولية بالإضافة إلى الاستعانة بآليات الكبح الغريزية للحد من دوافع القتل التي تميز العنف لدى الإنسان.

أما كارل فون كلوزفتش الجنرال البروسي، فيقدم مظهرا آخر من مظاهر العنف وهو الحرب. ويعتبر أن الحرب فعل عنيف يعبر عن طبيعة إنسانية تستخدم القوة الجسمية العضلية التي لا تعرف أي حدود وتستهدف إرغام الخصم على الخضوع. ومن أجل تغلب القوة على القوة تقوم الحرب على توظيف كل ما توفره العلوم والصنائع من معارف ووسائل و آليات. كما اعتبر أن حروب الشعوب المتحضرة أقل عنفا من حروب الشعوب البدائية وهذا راجع، في نظره، إلى مستوى التطور الذي تعرفه الشعوب المتحضرة و ما تشهده العلاقات الدولية من تحولات. فالحرب كظاهرة اجتماعية قديمة لها أشكال متعددة في المجتمعات الراهنة وإن ابتعدت عن القوة الجسدية فإنها أصبحت توظف القوة الفكرية.

إن العنف إذن معطى طبيعي غريزي في الإنسان. كما أنه واقعة اجتماعية وتاريخية انتشرت في المجتمعات الإنسانية الراهنة، بل أكثر من ذلك، إن تطور البشرية صاحبه تطوير تقنيات ووسائل ممارسة العنف. وبالمقابل طورت البشرية عبر تاريخها آليات ووسائل للحد من انتشار ظاهرة العنف، حيث لعبت الفلسفات و الديانات و الثقافات ومؤسسات المجتمع المدني ذات النزعة الإنسانية والأخلاقية دور الكابح المعنوي والأخلاقي للقضاء على العنف أو على الأقل التقليل من انتشاره.

المحور الثاني: العنف في التاريخ.

إذا كانت السلطة هي الأداة الضرورية لتحقيق قيم إنسانية مثلى، سياسية كانت أم أخلاقية، مادامت هذه القيم مرتبطة ارتباطا وثيقا بطبيعة السلطة التي يتعين عليها ترجمتها على أرض الواقع، فإن مقاربة مفهوم السلطة انطلاقا من التاريخ البشري تصطدم بظاهرة العنف الذي يعد من مكونات السلطة وركائزها الأساسية، وهو في نفس الآن يهدد وجودها واستمراريتها، وعليه، فإن كل القيم الأخلاقية والسياسية تظل مرتبطة بشكل أو بآخر بظاهرة العنف.

لم يحضر مفهوم العنف في الفلسفة اليونانية كإشكالية فلسفية متميزة وواضحة المعالم، بحيث لا نصادف في حوارات أفلاطون، ولا في الكتب السياسية أو الأخلاقية لأرسطو قولا حول حقيقة العنف وماهيته. ومع ذلك، فإن كتابات أفلاطون وأرسطو تبقى في عمقها مناهضة لكل شكل من أشكال العنف، حيث يعتبران أن السياسة الحقة هي التي تتميز بالمساواة والانسجام الفردي والجماعي وتحقق الوحدة والتضامن، وتغيب فيها كل مظاهر العنف والصراع الشيء الذي لا يحصل في نظام الطاغية الذي يقوم على العنف والسيطرة، لأن ما يتوخاه الطاغي هو إخضاع الناس واستعبادهم بغية تحقيق مصالح فردية وخاصة.

نفس الأمر نجده لدى الفارابي حيث يشير في كتابه " آراء أهل المدينة الفاضلة"، إلى أن الغلبة والقهر من خاصيات المدينة الضالة لا المدينة الفاضلة، إذ يقول في هذا السياق: " مدينة التغلب وهي التي قصد أهلها أن يكونوا القاهرين لغيرهم، الممتنعين أن يقهرهم غيرهم، ويكون كدهم اللذة التي تنالهم من الغلبة فقط".

ومن منطلقات فلسفية و إيديولوجية مغايرة يرى المفكر الماركسي فريديك إنجلز، أن هناك عنف سياسي و هناك عنف اقتصادي، و أن العنف لعب دورا كبيرا في التطور الاقتصادي للمجتمعات وان العنف السياسي يقوم دائما على أساس وظيفة اقتصادية، هذا العنف الذي ظهر في البداية كنتيجة لتفكك المجتمعات البدائية بفعل ظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ،و تفكك المشاعية البدائية ،وظهور المجتمع الطبقي وهذا جعل من الضروري ظهور سلطة سياسية حتى لا تضيع أو تهلك هذه الطبقات المتصارعة في صراع مفتوح( هذه السلطة التي تضع نفسها في الظاهر فوق المجتمع وتحاول أن تقلل من حدة الصراع وتبقي عليه في حدود النظام بوصفها سلطة تولدت من المجتمع وتضع نفسها فوقه، لن تكون في النهاية إلا سلطة الطبقة الأقوى والتي تختار وتتخذ اجهزة الدولة كوسائل لاستغلال الطبقة المضطهدة كما يشير إلى ذلك إنجلز نفسه في كتابه أصل العائلة) ،وبذلك اتخذ هذا الصراع أو العنف الاقتصادي شكل العنف السياسي ، لما أصبح هذا الصراع مستقلا عن المجتمع، هذا العنف السياسي الذي يمكن أن يلعب احد الدورين إما العمل من اجل التطوير العادي للاقتصاد مما يؤدي إلى زوال الصراع بين العنف والاقتصاد وتسريع وتيرة التطور الاقتصادي وإما أن يعمل ضد التطور الاقتصادي وفي هذه الحالة سيشتد هذا الصراع والعنف ليؤدي في النهاية إلى الاستسلام للتطور الاقتصادي وبالتالي ظهور نظام سياسي جديد ونظام اقتصادي أكثر تطورا.

أما المحلل النفسي سيغموند فرويد فيعتبر أن العنف، نزوع طبيعي وغريزي لدى الإنسان وان هذا النزوع العدواني الغريزي لدى الإنسان يهدد الحضارة الإنسانية رغم محاولة الإنسان المتواصلة الحد من هذه العدوانية من خلال إحلال العمل التضامني والحب والإيثار محله و من خلال تقوية طابعه العقلاني والأخلاقي . وكذلك من خلال تشريع العنف المشروع والقانوني ضد العنف الغير المشروع و اللاقانوني. ومع ذلك تظل هذه الإجراءات غير كافية ،والقانون لا يستطيع القضاء على هذا النزوع الغريزي للعنف أو العدوان لدى الإنسان . انطلاقا من ذلك يبين فرويد أن العنف بطابعه العنيف والحيواني لدى الإنسان ، واعتماده على آليات الدمار وتوظيفه للذكاء الإنساني من اجل التغلب على الخصم وشل قدرته قد أذى في النهاية، إلى ظهور الحق والقانون ، بفعل اتحاد المستضعفين الذين أصبحوا يشكلون قوة وإرادة جماعية هي مصدر القانون والحق.

نستنتج من كلما سبق، أنه إذا كان العنف مرفوضا من الزاوية الأخلاقية والمبدئية ،و إذا كان مدانا من زاوية النظر الفلسفي، لأنه يحيل إلى حال الطبيعة بما تمثله من وحشية و عدوانية ونفي لما هو إنساني في الإنسان؛ فإنه مطلوب من الزاوية السياسية، إذ تقتضيه ضرورات السياسة وإكراهاتها. ومن ثمة يكتسب صيغة شرعية، تؤسس لللاعنف وتضمن الأمن والنظام. و من جهة أخرى، للعنف ادوار تاريخية حاسمة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي: تنظيم العلاقات الاجتماعية، توزيع الخيرات على قاعدة العدالة الاجتماعية. كما تتراوح أشكال العنف بين ما هو ظاهر جلي (الحرب، العدوانية، الاقتتال، النزاع المسلح) وبين ما هو كامن خفي (العنف الرمزي).

 

Partager cette page
Repost0
Published by

تقديم

  • : Le blog de Taoudi El Mustapha
  • : Cours de Philosophie et Randonnées
  • Contact